منخفضة لكنها مؤثرة.. التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب على المغرب تحاصر الصادرات وتهدد صناعة السيارات
"بعض الشر أهون من بعض".. بهذه العبارة يمكن تلخيص انعكاسات التعريفات الجمركية الجديدة التي فرضها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على المغرب، من بين جميع الشركاء التجاريين لواشنطن، الذين قرر فرض قيود تجارية على المنتجات التي يوجهونها إلى السوق الداخلية الأمريكية، وذلك بعدما اكتفى بالحد الأدنى المتمثل في 10 في المائة.
ورغم ذلك، فإن إجراء ترامب يمثل، عمليا، إقبارا لاتفاقية التبادل الحر المبرمة بين البلدين، أو على الأقل إدخالها في مرحلة "الموت السريري" إلى أجل غير مسمى، لكنه أيضا يهدد إحدى أسس الإقلاع الصناعي بالمملكة، ويتعلق الأمر بصناعة السيارات، على اعتبار أن الرئيس الأمريكي اتخذ إجراءات أكثر صرامة بخصوص هذا القطاع.
المغرب.. أقل الأضرار؟
يمكن تصنيف المغرب ضمن البلدان "الأقل تضررا" ضمن قائمة ترامب التي أعلن عنها في ما أسماه في خطابه من داخل البيت الأبيض بـ"يوم التحرير"، إذ اكتفى بالحد الأدنى من الرسوم الجمركية التي أصبح على المُصدرين المغاربة دفعها للخزينة العامة الأمريكية، وهي خطوة لم "يستفد" منها حتى بعض حلفاء واشنطن المقربين، لكن، للمفارقة، استفادت منها إيران، بشكل مفاجئ.
ونجد أن المغرب موجود في قائمة "الحد الأدنى" من الرسوم إلى جانب دول مثل المملكة المتحدة وأستراليا وتركيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر ومصر والبرازيل وسنغافورة، بينما كانت المفاجأة هي فرض رسوم أكبر على بعض الحلفاء التقليديين لأمريكا، مثل إسرائيل التي ستُؤدي شركاتها 17 في المائة، واليابان وكوريا الجنوبية اللتان فرض عليهما ترامب رسوما بقيمة 24 و25 في المائة تواليا.
وإذا كانت منتجات الصين، المستهدف الرئيس بهذا الإجراء، تواجه رسوما بقيمة 34 في المائة، فإن بلدان الاتحاد الأوروبي ستجد نفسها مطالبة بأداء واجبات جمركية بقيمة 20 في المائة، مقابل 30 في المائة للهند، و49 في المائة لكامبوديا، و46 في المائة لفيتنام، و37 في المائة لبنغلاديش، و32 في المائة لإندونيسيا و31 في المائة لسويسرا، و30 في المائة لجنوب إفريقيا.
وعربيا، فرض ترامب رسوما بقيمة 41 في المائة على الصادرات السورية، و39 في المائة على البضائع القادمة من العراق، و31 في المائة على السلع الليبية، و30 في المائة على تلك القادمة من الجزائر، و28 في المائة على المستوردة من تونس، و20 في المائة على نظيرتها من الأردن، في حين اكتفى بـ10 في المائة تجاه البحرين والكويت وسلطنة ولبنان والسودان واليمن.
تأثيرات عالمية تشمل المملكة
تعكس خطوة ترامب نهجًا اقتصاديًا حمائيًا، شمل المغرب بالرغم من وجود اتفاقية التبادل الحر المبرمة بين البلدين منذ سنة 2006، وهو القرار الذي لم يكن مجرد إجراء تقني، بل حمل في طياته تداعيات اقتصادية واسعة النطاق، سواء على المغرب أو الاقتصاد العالمي، مما أثار تساؤلات حول استقرار النظام التجاري الدولي، وفق توصيف الأستاذ المحاضر في قانون الأعمال والاقتصاد، بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، بدر الزاهر الأزرق.
ويرى الأزرق، في حديث لـ"الصحيفة"، أن من بين التداعيات الرئيسية لسياسة ترامب الجمركية، التأثير المباشر على قيمة الدولار الأمريكي، فمع تصاعد التوترات التجارية وزيادة الرسوم الجمركية، تراجعت بشكل آني جاذبية الدولار عالميًا، مما أدى إلى تقلبات في أسواق العملات وزيادة الإقبال على الذهب كملاذ آمن.
وقال الأزرق إنه من المرتقب أن يكون لهذا الأمر تأثير على تكلفة الواردات، خاصة بالنسبة لبلد كالمغرب الذي يستورد عددا كبيرا من المنتجات المصنعة وشبه المصنعة والخام بالاعتماد على سلة عملات مكونة أساساً من الدولار والأورو، وهو ما قد ينعكس على الأسعار محليًا ويؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين، وهو ما يعيد إلى أذهاننا سيناريوهات الأزمة التضخمية الأخيرة التي خلفت خسائر جسمية للاقتصاد الوطني.
إلى جانب ذلك، قد تساهم الرسوم الجمركية المفروضة في خلق بيئة استثمارية غير مستقرة، بالنظر إلى أن معظم الشركات العالمية اليوم تترقب تأثير هذه السياسات على سلاسل التوريد والتكاليف الإنتاجية، من أجل إعادة النظر في توجهاتها الاستثمارية، ويقول الأزرق إن هذا الأمر قد ينعكس سلباً على أداء الاقتصاد المغربي، الذي يعتمد بشكل كبير على الاستثمارات لأجنبية المباشرة، خاصة في قطاعات السيارات والطيران والطاقات المتجددة، وذلك في حالة ما إذا قررت بعض الشركات إعادة توطين نشاطها خارج المملكة وإعادة توجيه استثماراتها نحو أسواق أقل تأثُّرًا بهذه الرسوم.
إقبار للتبادل الحر
إجراءات ترامب الحمائية، وضعت مستقبل اتفاقية التبادل الحر الموقعة بين الرباط وواشنطن منذ ما يقارب عقدين من الزمن، على طاولة النقاش، كما يُرتقب أن تتحول إلى "كماشة" تخنق الصادرات المغربية الموجة نحو سوقٍ مكون من 350 مليون نسمة، خصوصا ما يرتبط بصناعة السيارات.
وبهذا الخصوص، يرى الأستاذ الجامعي بدر الزاهر الأزرق، أن هذه الإجراءات باتت تفرض تساؤلات جدية حول مستقبل اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، التي دخلت حيز التنفيذ عام 2006، وذلك بعد أن فرضت الولايات المتحدة الأمريكية نسبة 10 في كتعرفة جمركية قارة على المنتجات المغربية، فرغم أن الاتفاقية ساهت في مضاعفة حجم التبادل التجاري بين البلدي، الذي بلغ خلال السنتين الأخيرتين أكثر من 5,5 ملايير دولار، فإن فرض الرسوم الجديدة يشكك في مدى التزام واشنطن بمبادئ الاتفاق وقد يسهم في تراجع نمو المبادلات التجارية.
وينبه الأزرق إلى أن هذا الإجراء قد يدفع المغرب مرة أخرى إلى إعادة التفكير في التفاوض حول بعض بنود الاتفاقية، أو البحث عن أسواق بديلة لتعويض أي خسائر محتملة، كما قد تطرح تلك الرسوم أسئلة عديدة في هذا الصدد حول إمكانية تعامل المملكة بالمثل مع البضائع الأمريكية وفرض رسوم جمركية عليها، وذلك في عملا بمبدأ "الحمائية المضادة" الذي بدأت تلوح به الصين وعدة بلدان أوروبية، في حالة عدم تراجع الولايات المتحدة الأمريكية عن قرارها.
صادرات السيارات.. الأكثر تضررا
وقد يكون قطاع صناعة السيارات الأكثر تضررا، وهذا ما يشير له الأزرق، مستحضرا المغرب صار مركزًا صناعيًا إقليميًا في هذا المجال، إذ إن فرض رسوم أمريكية جديدة بنسبة 25 في المائة على واردات السيارات قد يؤثر بشكل غير مباشر على المملكة، فرغم أن المغرب لا يُصدر السيارات بشكل مباشر إلى الولايات المتحدة، إلا أن مصنعين أوروبيين وآسيويين يستثمرون في المغرب ويعتمدون على السوق الأمريكية، مما قد يدفعهم إلى إعادة تقييم استثماراتهم في المملكة، كما أن سلاسل الإمداد، التي تشمل شركات مغربية توفر قطع الغيار، قد تتأثر بتباطؤ الطلب العالمي.
ويرى الخبير في المجال الاقتصادي، أن هذه التحولات باتت تستدعي أكثر من أي وقت مضى تبني سياسة اقتصادية مرنة، وتسريع عملية تنويع الشركاء والأسواق وعدم الاعتماد على شريك تجاري واحد، مبرزا أن ذلك ما سعت المملكة المغربية إلى تحقيقه خلال العقدين الأخيرين، دون أن تفلح في تخفيف قيود التبعية للاقتصاد الأوروبي الذي بات قاب قوسين أو أدنى من الدخول في حرب تجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية، قد تمتد آثارها لتشمل الاقتصاد الوطني، موردا "إن كانت تأثيرات هذه الحرب غير مباشرة لكنها حقيقية، خصوصًا في ما يتعلق بالاستثمارات الأجنبية وقطاع السيارات واستقرار التبادل التجاري".
ويخلص بدر الزاهر الأزرق إلى أن قرار ترامب بفرض رسوم جمركية ليس مجرد إجراء اقتصادي داخلي، بل له أبعاد دولية سوف تؤثر بشكل كبير على التوازنات التجارية والاقتصادية العالمية، وهو قرار يتزامن مع تراجع دور المؤسسات الدولية التي كانت تدعم انسيابية التجارة العالمية، وعلى رأسها منظمة التجارة العالمية، خاصة بعد تعليق الدعم والتمويل الأمريكي لها، ما يشكل تهديدًا لنظام اقتصادي بُني على قواعد مستقرة لعقود، قد يقود العالم نحو مستقبل مجهول.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :